الأحد، 17 مايو 2015

المترجمة 8


Image result for chicken froth


وبينما هما جالسان بين نباتات الصبار, استفسر "راى" عن اسم " طارق"  ضاغطاً على حرف القاف فأجابته أن الاسم يكتب بالقاف و لكنهم فى السودان ينطقونه بالجيم. أومأ متفهماٌ فهو يعرف حروف الأبجدية العربية فقد عاش فى ذلك الجزء من العالم.  بالرغم من كونه أسكتلندياً, كان راى داكن اللون للحد الذى يجعلك تظنه تركياً أو فارسياٌ.  حكى لها أنه فى أثناء إقامته فى المغرب, كان يسير بين الناس كأنه متخفيا ما  لم يتكلم فإذا نطق وشت طريقته فى النطق بهويته.  هنا وبين الآخرين بدا لها مختلفاً عن الجميع.  لم يكن السبب مظهره وملامحه و حسب, بل أسلوبه فى التعامل, ذلك الأسلوب الذى شجعها على التحدث معه و جعل حياتها مفعمةً بالحيوية للمرة الأولى منذ سنوات.  فى آخر مرة التقت به رجعت لمنزلها مريضة : جفناها ثقيلان كعملتين معدنيتين و عيناها لا تطيقان أى بصيص ضوء, و رأسها يدقه الألم كمطرقة . بعدها سقطت فى بئر اللاوعى  و استيقظت متألقة و خفيفة كريشة فظنت أنها ربما أصيبت بنوبة من الصرع.
استمرت فى الإفضاء إليه وهى تفكر أى جزء من قصتها يجب أن تسقطه, وأى جزء عليها أن تخفف من وقعه عليه : " عمتى محاسن, أم طارق".  هل بإمكانه  تحمل الحقيقة كاملة دون أن تظهر عليه علامات الاستغراب؟  هى لم تحك له من قبل أى شىء يثير تعجبه وتريد أن يستمر الوضع هكذا.  كلما تحدثت مع الناس فى هذا البلد بدت عليهم علامات التحفظ و الحذر كأنهم يتوقعون أنها قد تنطق شيئاً غريباً أو محرجاً فى أى  لحظة.  أما معه فالأمر مختلف, هو يبدو متفهماً, ليس ذلك التفهم النابع من كونه لايتعمد الحكم على الآخرين عموماً, بل كأنه يوشك أن يقول لها أنه يعرف ماتقصد و أنه جربه مثلها. 


عندما تسلق الدجاج ويطفو ذلك الزبد ذو اللون البنى مكوناً فقاقيع كأنها حبوب على السطح تسارع بانتشاله بملعقة.  تلك الرغوة الناتجة عن القاذورات العالقة بالدجاج يجب ألا تؤكل. مثل ذلك الزبد موجود بداخلها, ربما  يطفو إذا  بدأت بالبوح. عندها سيراه "راى" وربما يبتعد عنها بسببه.  كل ماتريده سمر أن يزيل زبدها لتصبح  نقية بدونه.  بمقدور "راى" أن يفعل ذلك بسهولة, كأنما يفك شريطا فيحررها.

قالت لنفسها :  احكى له. احكى له عن محاسن و طارق و حنان, عن الأم و الابن و الابنة الذين تركت عائلتك بلا مبالاة من أجل أن تكونى جزءاً منهم, ثلاثتهم.  صنعت من نفسك هدية لهم, كنت لهم طفلة طيعة كعجينةٍ قابلة للتشكيل.  احكى له عن منزلهم و كيف تخيلت نفسك تعيشين فيه, عن الميدان المتسع قبالته,  و كيف كان يتلون بلون القمر عندما تمطر و يسود السكون. احكى له عن دراجة طارق وحجرته, عن طارق نفسه و عن غنائه فى مكبرات صوت متخيلة, وعزفه على جيتار و دقه على طبول يتخيل وجودها أمامه. احكى كيف تركت محاسن تختار لك ملابسك و تسريحة شعرك,  كم كنت ابنة أخ مطيعة. و كيف كنت راضية و سعيدة  بكل ذلك و كيف انتظرت اليوم الذى ستستأثرين فيه بابنها الوحيد دونها. أخبريه كيف همست لك محاسن عند رحيلكما  "اعتنى بطارق"  و كيف أرجعته إليها فى كفن فى جوف طائرة."