الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

المكان الآمن





This guest post is written by my dear friend Yasmin Adel who defines her self as follows:


امرأة ثلاثينية متقلبة المزاج، أعشق الرقص على السطور كتابةً، أُحب الفَنّ بمختلف أنواعه وأعيش عليه. والآن كبرت وصار عليّ أن ألعب في الحياة عشرات الأدوار طوال الوقت، لأستيقظ كل صباح أُعافر حتى أستطيع أن أُحاكي بهلوانات السيرك فأرمي الكُرات المُلونة بالهواء ثم ألتقطها كلها في آنٍ واحد.



 (المكان الآمن)

(1)
أسير للأمام.. هكذا أنا دومًا لا أجرؤ على النظر خلفي، أعرف أن ورائي بحرًا هائجًا، يصلني صوت ارتطام أمواجه بالصخور. أتحرك ببطء كما لو أنني لا اهتم، لكني من داخلي أشعر بالخوف، والرغبة بالركض كما لو أن البحر سيتجسَّد وحشًا عملاقًا يُفاجئني ويلتهمني.
ها أنا تفصلني بضع خطوات عن بوابة خشبية ضخمة، لا أدري سببًا لوجودها على الشاطيء، وفيما أتجه إليها أُخبر نفسي أن ما يقبع خلفها لن يكن أسوأ مما مررت به بالفعل.

(2)
أُطرق الأبواب وحين لا يُجيبني أحد أدفعها بكامل قوتي تصحبُني توقعات شبه مُنعدمة ولا مُبالاة لا أعرف إن كنت أصطنعها أم لا! يُصدر الباب صريرًا حادًا كما لو كان لم يُفتح منذ الأزل. أُفاجأ بحديقة غَنّاء لا تَحوي سوى زهورًا بيضاء برائحة الفُل، وأخرى وردية لها عبير الورد البلدي في أوجّ تفتحه.
تلتقط عيناي ممرًا ضيقًا بين الزهور، أذهب إلى هناك، في طريقي أتلمَّس وريقات الزهور المُبللة بالندى، يعجبني ملمسها ويشعرني بالحياة. وفي بقعة ملساء إلا من بعض الوريقات الصغيرة المنثورة أفترش الأرض، تُحيطني الزهور وتُخفيني عن العالم كما لو كانت تحتضني أو تحميني!

(3)
يتناهى إلى مسامعي صوت رفرفة أجنحة الفراشات بينما ترتطم بذرات الهواء تارة والنباتات تارة أخرى. تتفتَّح حواسي مُجتمعةً صوتًا وصورة رُبما للمرة الأولى بحياتي، فتغمرني حالة من السكينة، أنا هنا آمنة تمامًا، فما من أحد يراني أو يُطالبني برؤيته.
أتمدد على ظهري مُتطلعةً نحو السماء الصافية شديدة الزرقة، ابتسم إلى نفسي أو ربما إلى الله.. هل يُمكنني البقاء هنا للأبد؟ هكذا أتساءل قبل أن أغفو لوقت لا أعلم قدره بل ولا أهتم! تُرى هل أصاب ساعة الرمل الكامنة داخلي -طوال الوقت- عطبٌ ما؟

(4)
مع بشاير الصباح تجتاحني شجاعة لا أعرف مصدرها، تملؤني بالرغبة في العودة إلى البحر من جديد، الفارق أنني لم أعد خائفة من شيء. أسير مبتسمةً ومطمئنة نحو بوابة الحديقة، أُغلقها خلفي لكنها لا تُصدر صريرًا هذه المرة.
لا أندهش، ازداد ابتسامًا، وإذا بالبحر هادئًا وقد تحول لونه الرمادي الداكن المعتاد إلى درجات فيروزية مُدهشة. أُكمل السير نحوه، فيما أتجرد من حذائي، تشُّق الرمال الناعمة الباردة طريقها إلى قدماي، ألمس الماء على استحياء ومع انسيابي نحو الأعماق أُقرر التخلُّص من ملابسي.

(5)
أتخفف مما أرتدي قطعة فقطعة حتي أصبح عاريةً تمامًا، يتغلغل الماء بمختلف فجوات جسدي وبين ثناياي، حتى ترهلات بطني الناتجة عن الحمل والولادة. لأول مرة لا تُزعجني الترهلات، إنما أراها كإحدى معالم أنوثتي وشاهدًا على معاركي الخاصة.
 وما إن ينساب شعري حالك السواد على كتفاي حتى أستلقي على ظهري وأترك نفسي للموج يفعل بي ما يشاء، كما يليق بامرأة عرفت للتو مذاق الحرية.

21-9-2019
ياسمين عادل

هناك تعليق واحد:

  1. اصطفت الكلمات كنوته موسيقيه رائعه لتصف مابداخلك بدقه متناهيه....تحياتي وتمنياتي لكي بالفرح والسعاده

    ردحذف