الأحد، 21 يناير 2018

من وحي دورات اعداد المعلم الجامعي


Image result for academic



جلست هانيا تتململ على كرسي مال بها الى اليمين انتظارا لدخول المحاضر، ... فكرت هل سيتحمل الكرسي العتيق فى تلك القاعه البارده وزنها الزائد لمده ٦ ساعات؟  كيف تحملته هي خمس سنوات!
- من ٩-٣ أو من ٣-٩ يادكتوره ، اختارى الدوره و سجلى على النت و هتدفعى ٦٠٠ جنيه عشان انت من بره جامعتنا. يوم الدوره ولو اتاخرتى خمس دقايق ممكن المحاضر مايدخلكيش و ....

قالتها الموظفه و هى تشيح بوجهها عن هانيا كانها حشره لا تستحق ان تعيرها اهتماما. تذكرت فجأة فقره " هنحط السيخ المحمي فى صرصور ودنك" على الرغم من انها لا تذكر المشهد ولا الفيلم ظلت الكلمات تدوى فى أذنيها، ترى هل كانت مسرحيه؟
 لا تذكر، لم تعد تذكر تفاصيل الاشياء فى الآونه الاخيره. الحمد لله انك فاكره اسمك ياهانيا...
أجلت تلك الدورات ( الاسم العلمى لها دورات اعداد المعلم الجامعي، اما الاسم الحركى دورات الترقيه) حتى اتمت كتابه رساله الماجستير ووافق المشرفان على البدء فى إجراءات الإجازة و المناقشة.

-بلا دورات بلا وجع دماغ، انت مش ملحقه على محاضراتك و عيالك ، انا اصلا نسيت انى متجوز!
اخلصي بقه، انا حياتى كلها اتسممت بسبب الماجستير دى، انا لا عارف اكل و لا اشرب و لا اخرج ولا اعيش بسببك، ارحمينا بقه و خلصى!!!

مافيش احلى من كده تشجيع على البحث العلمى... خصوصا من شريك حياتك. 

لا يمكنها ان تلوم ياسر، هى نفسها ملت تعقيد الاجراءات و سخافه عمليه الكتابه و التصحيح و الطباعة و الإعادة مرة تلو الأخرى.  هي أيضا باتت تحرض نفسها على الانتهاء من الرسالة. كتبت على الشاشة اففتتاحية للكمبيوتر عبارة لتذكرها كلما فتحته: 

خلصى القتيل اللى مرمى قدامك بقاله سنتين و يدوبك متعطل على اجراءات الدفن و مراسم الجنازه!!!

لم يخطر ببالها قط ان يأت يوم تسمى رسالتها "قتيل" ، جثه هامده شرحتها مشارط الاساتذه و شوهتها النظريات المدسوسه على الاعمال الادبيه...وان تعتبرالاجراءات الاداريه لمناقشتها بمثابه تصاريح دفن للجثه . أما ان يتحول يوم المناقشه الذى راود احلامها كثيرا كيوم وردي للتتويج ليوم جنائزي المراسم فهو أمر فاق اعتى خيالاتها جموحا.
لماذا تتحول الأشياء لضدها؟ لماذا تفرغ المهام من فحواها؟ لماذاتستهلكنا الأشياء حتى يصبح الانجاز النهائي شبحا مقيتاً؟

الاثنين، 15 يناير 2018

كلمات و مترجمة



Image result for document on computer

كلمات و مترجمة


الكلمات المتراصة على الشاشة تتحداني،  تستحثني:
هيا استوعبيني...
ادخلينى الى دهاليز دماغك
انقلينى عبر الوصلات العصبية الدقيقة الرقيقة متناهية الصغر إلى الفص الأيمن من مخك، ذلك البهي المنوط بمراكز اللغة و الإبداع...
اشحذي تلك الشفرة العجيبة التى أودعها الخالق بين تلافيف فص الماس الأيمن
انقليني من لغتي الأصلية للغتك الأم
اعبرى بي ذلك الممر السرمدي و انفثي في روحا جديدة
اخرجينى من معقلي إلى آفاق رحيبة
دعينى اتنفس هواءا جديدا
لاتتركيني حبيسة عالم واحد
ترجميني، انشريني...
تشجعي، لاتخافي ياصغيرتي
أعرف أنك أمينة
أضنيت العمر تعلماً و قراءة
لاتخافي، هيا
هيا انقرى لوحة مفاتيحك
أناملك الدقيقة تعرف طريقها فوق الحروف
رصعي بكلماتك صفحة جديدة بلغة جديدة
ولكن كونى حذرة:
لا تفقدينى فحواي
لاتستهينى بمخزون مشاعري
عبرى عن مكنون حروفي ولا تهدرى عصارة قلبي
أعرف أنك لن تضيعينى، فأنا أمانة بين يديك
ولادتي الجديدة لن تكون متعثرة معك،
أعرفك و أثق بك.


الجمعة، 5 يناير 2018

دمى المدرجات 2




Image result for travel pillow



أستقل المصعد للطابق الرابع حيث مكتبي فيستغرق دهوراً للوصول، يتشتت عقلى فى كل اتجاه كشظايا نيزك انفجر فى الفضاء ، تتناثر أفكارى بين الماضى و المستقبل أرانى شابة فى مقتبل العمر أناقش رسالة الدكتوراه فأصول و أجول بين النظريات الأدبية والكتابات النسوية ... يتملكنى الشعور بالزهو لتشجيع أساتذتي و ثنائهم علي ...أرانى أطمح لتغيير الواقع وأنتظر الكثير من الحياة الجامعية... ثم أرانى طريحة الفراش لا أقوى على العمل ، هل بإمكانى فعل أي شيئ لمساعدة تلك الفتاة البائسة؟  بينما يتخطفني عقلي الواعى لأستفيق وأعيش وتحدثنى نفسي الضعيفة المستكينة:  "هونى عليك... فربما انت أكثر بؤساً منها، يكفى أن تتذكرى أن أمامك رحلة تستغرق ساعات لتعودى لمنزلك فقط لتستيقظى بعد سويعات قليلة لتعاودى الذهاب للعمل وترين من هن أكثر بؤساً منها".
 يؤرقنى الهاجس الثقيل بأنى لن ألحق  بأتوبيس الجامعة فى رحلة العذاب اليومي للرجوع إلى القاهرة... ترانى أحلم؟   لماذا تضاعفت أحمالي فجأة، لماذا أظلمت الممرات فى الثانية و النصف ظهراً،  لماذا لا أقوى على حمل يدى على أن تدير المفتاح فى الباب لأصل إلى كرسيي قبل أن أسقط مغشياً علي؟ ... " أنت قوية، ماتخافيش، مش (هيغمن) عليكى على رأي فيفى عبده، روقى بقه واستهدى بالله عشان تروحى لولادك سليمة" ... أشعر بثقل حقيبتى يزداد أطنانا على كتفي المشدودتين ، أجرجر قدماي كجوالين من الرمل المبلل فأنهارعلى أول مقعد فى الغرفة، نعم لا أقوى على الوصول لمقعدى و فجأة تتهاوى الأشياء على الأرض فترتطم الأفكار فى رأسي فى عنف. 
ماأهمية أن تكونى أستاذة جامعية مادمت لاتستطيعين مساعدة إحدى طالباتك؟ وهل بإمكانك نفع نفسك حتى؟ ما جدوى دراساتك وقراءاتك النسوية مادامت لاتستطيع تغيير الواقع المرير؟   آه من الشك! ما جدوى درجة الدكتوراة التى استنفذت سنوات من عمرك و طاقتك؟  لماذا لم تقنعى بدورك كزوجة و أم وكفى؟ أليس ذلك بالعبء الكاف لاستنفاذ طاقتك؟  لماذا تطمحين لتغيير العالم وانت أصغر واتفه من أي ذرة فى هذا الكون الفسيح؟  قاتل الله الطموح...

هذا "البانادول إكسترا" لم يعد يقوى على صداعي اللعين، أصبح كحبات البنبون التى أراد أن يوزعها "شفيق" على شباب الثورة ليكافئهم على بذل الروح فداءا للوطن!  هو فقط يعدك بالارتياح و بالسكون لكنه ابداً لايفى بوعوده. وبرغم ذلك تمتد أصابعى فى حركات لا إرادية لاستخراج علبة الدواء من أعماق حقيبة يدى الممدة على الأرض بينما  تقوم عيناي بعملية مسح  شامل للغرفة بحثاً عن وسادتي الطبية، رفيقتى المخلصة فى كل السفرات، تلك البنية الطرية الوفية التى تلتف حول عنقى فى حنان أم  فى محاولة للتخفيف عن رقبة أنهكتها الحياة فلم تعد تقوى على حمل نفسها مع ارتجاجات الطريق فى أتوبيس الجامعة العتيق... طالما راودتني أحلام طموحة أن أقضى الطريق ذهابا وإيابا من القاهرة للمنصورة و العكس نائمة كبعض الزميلات فلا أشعر بعذاب السفر، و لكن هيهات، هيهات فأنى لعقل مثل عقلي أن يهدأ و يستريح.  ستظل صورة تلك الفتاة هزيلة الجسد مسلوبة الإرادة بعينيها المذعورتين تؤرقني إلى ماشاء الله.


الخميس، 4 يناير 2018

دمى المدرجات


Image result for dolls theatre




اخرج من المدرج حامله اثقالى- كتبى و اوراق الطالبات والطلبة وحقيبة يدى وأخرى بها جهاز الكمبيوتر الذى استعمله لعرض مقاطع من الفيديو و شرائح الباور بوينت - فاجد امامى شاب ضخم قوى البنيان تنم عضلاته عن ساعات كثيره قضاها فى الجيم و ربما ايضا عن عبوات عديده من البروتينات والهرمونات المصنعه خصيصا لنفخ العضلات.
يستوقفنى الشاب عند باب المدرج بينما سيل من الطالبات يسعى للخروج ورائى بعد ساعات ثلاث قضيناها معاً فى تحليل مقارن لشخصيتيى بطلتى The Mill in the Floss و Jane Eyre ، فتاتان تعيستان عذبهما مجتمع مجحف و لم يحن عليهما قريب أو بعيد فى طفولتيهما. ترى لهذا السبب دائما ما تتعاطف الطالبات معهما؟ لا أدرى ... ولكن شيئ ما يجعلنى أُضمن هاتين الروايتين عند تدريس " العصر الفيكتوري". أتوق إلى المحاضرات التى تشتعل بالحماس و النقاش حين تتجاوب غالبية الطالبات على غير عادتهن ، فكثيراً مايعتريهن الخمول و عدم المبالاة.
تبدوعلي الشاب أمارات الجدية، بل و الصرامة مع مسحة من الكآبة. أطلب منه ان يفسح الطريق أمامى حتى لا نعيق حركة الخروج من المدرج فيتقهقر للخلف كأنما يحرص على ألا أغيب عن عينيه أو أهرب منه فى الزحام. تبادر الى ذهنى انه طالب طال غيابه عن المحاضرات لسبب اولآخر وأتى للسؤال عن "المنهج" كعادة الطلاب قبل امتحان "mid-term" أو ربما جاء يطلب أن ارفع عنه الغياب لأنه يعمل و يعيل نفسه و أسرته. أتعاطف دائماً مع الطلاب و الطالبات برغم كل شيء بالرغم أننى غالبا ما أنسى أسماء الطلاب، إلا أننى أتذكر وجوههم جيداً ، لكنى اثق انى لم ارى هذا الشاب من قبل، عندما وقفت لإتحدث معه لاحظت ان فتاه ضئيلة الجسم تقف و راءه متابعه ما يحدث بيننا. شيء ما فى نظراتها أوجع قلبى، مزيج من الخوف و الترقب و الحذر، و كثير من التوسل او ربما التسول لا ادرى.
فى البدايه لم استطع أن اسمع ما يقول ،فسيل الطالبات يهدر حولنا، هناك من تلهث للعوده لطفل تركته مع امها او فى احدى الحضانات، و من تريد اللحاق بميكروباص يقلها لاحدى القرى المجاوره للمنصورة حيث تسكن، اومن تريد مجرد الخروج من مدرج سيء التهويه تعطلت معظم مراوحه و طالها الاهمال فلم يعبأ بإصلاحها أحد. انا أيضا ألهث للحصول على نفحه من الاكسجين النقى، ألهث لألحق بأتوبيس الجامعة العتيق، فهو برغم اعطاله المتكرره و كراسيه المهترئه افضل من الاتوبيس العام.
أسميها محاضرة الإغماء، فزعت ‏عندما تكرر إغماء الطالبات اثناء المحاضرة، مره تلو الاخرى تراها مصادفه؟ ام ان هناك عوامل تؤدى لذلك؟ ‏ معظم هؤلاء الطالبات ‏يغادرن بيوتهن في الصباح الباكر ‏للحاق بمواصله تلو الاخرى ‏لحضور ‏المحاضرات التي تبدأ في الثامنة صباحاً و يبدأن اليوم بدون فطور . ‏وتتوالى المحاضرات ‏حتى الرابعة مساءا فى نفس المدرج سيء التهوية الذى يتكدس بما يزيد عن اربعمئة طالب و طالبة.
قال الشاب: تزوجتها مع بداية العام الدراسي.
هنا فقط أدركت أن الفتاة ذات النظرات الزائغة التى تقف خلفه هي من يقصد. هالني الفرق بين حجميهما ونضارة وجهيهما.
قلت: مبروك، كيف لي أن أساعدك.
قال: زوجتي لم تحضر أي من المحاضرات، أتيت بها لتحضر معك اليوم لكنك يادكتورة تمنعين من يتأخر! و أنا لن أستطيع إحضارها إلا لحضور الإمتحان فأنا أعمل فى وظيفتين وليس لدي أجازات و نحن نعيش على بعد ساعتين!
أسقط فى يدي، يالها من ظروف قهرية... يعيشون على بعد ساعتين فلا يسمح لها بالمجئ لحضور المحاضرات بمفردها!
قلت: وماذا كانت تفعل قبل أن تتزوجا؟
عندها فقط أدركت أننى أفعل نفس مايفعله هو مع الفتاه. أنا أيضاً أتحدث عنها كأنها ليست موجودة على بعد خطوات منى، أتحدث إليه كأنه يملكها... هل عدنا إلى عصر الجواري؟ الجواري الجامعيات! لم تقترب الفتاة ، بقيت خلفه كأنني العدو و هو درعها الواقي ، هي فقط تترقب، تنتظر تحديد المصير.