الخميس، 4 يناير 2018

دمى المدرجات


Image result for dolls theatre




اخرج من المدرج حامله اثقالى- كتبى و اوراق الطالبات والطلبة وحقيبة يدى وأخرى بها جهاز الكمبيوتر الذى استعمله لعرض مقاطع من الفيديو و شرائح الباور بوينت - فاجد امامى شاب ضخم قوى البنيان تنم عضلاته عن ساعات كثيره قضاها فى الجيم و ربما ايضا عن عبوات عديده من البروتينات والهرمونات المصنعه خصيصا لنفخ العضلات.
يستوقفنى الشاب عند باب المدرج بينما سيل من الطالبات يسعى للخروج ورائى بعد ساعات ثلاث قضيناها معاً فى تحليل مقارن لشخصيتيى بطلتى The Mill in the Floss و Jane Eyre ، فتاتان تعيستان عذبهما مجتمع مجحف و لم يحن عليهما قريب أو بعيد فى طفولتيهما. ترى لهذا السبب دائما ما تتعاطف الطالبات معهما؟ لا أدرى ... ولكن شيئ ما يجعلنى أُضمن هاتين الروايتين عند تدريس " العصر الفيكتوري". أتوق إلى المحاضرات التى تشتعل بالحماس و النقاش حين تتجاوب غالبية الطالبات على غير عادتهن ، فكثيراً مايعتريهن الخمول و عدم المبالاة.
تبدوعلي الشاب أمارات الجدية، بل و الصرامة مع مسحة من الكآبة. أطلب منه ان يفسح الطريق أمامى حتى لا نعيق حركة الخروج من المدرج فيتقهقر للخلف كأنما يحرص على ألا أغيب عن عينيه أو أهرب منه فى الزحام. تبادر الى ذهنى انه طالب طال غيابه عن المحاضرات لسبب اولآخر وأتى للسؤال عن "المنهج" كعادة الطلاب قبل امتحان "mid-term" أو ربما جاء يطلب أن ارفع عنه الغياب لأنه يعمل و يعيل نفسه و أسرته. أتعاطف دائماً مع الطلاب و الطالبات برغم كل شيء بالرغم أننى غالبا ما أنسى أسماء الطلاب، إلا أننى أتذكر وجوههم جيداً ، لكنى اثق انى لم ارى هذا الشاب من قبل، عندما وقفت لإتحدث معه لاحظت ان فتاه ضئيلة الجسم تقف و راءه متابعه ما يحدث بيننا. شيء ما فى نظراتها أوجع قلبى، مزيج من الخوف و الترقب و الحذر، و كثير من التوسل او ربما التسول لا ادرى.
فى البدايه لم استطع أن اسمع ما يقول ،فسيل الطالبات يهدر حولنا، هناك من تلهث للعوده لطفل تركته مع امها او فى احدى الحضانات، و من تريد اللحاق بميكروباص يقلها لاحدى القرى المجاوره للمنصورة حيث تسكن، اومن تريد مجرد الخروج من مدرج سيء التهويه تعطلت معظم مراوحه و طالها الاهمال فلم يعبأ بإصلاحها أحد. انا أيضا ألهث للحصول على نفحه من الاكسجين النقى، ألهث لألحق بأتوبيس الجامعة العتيق، فهو برغم اعطاله المتكرره و كراسيه المهترئه افضل من الاتوبيس العام.
أسميها محاضرة الإغماء، فزعت ‏عندما تكرر إغماء الطالبات اثناء المحاضرة، مره تلو الاخرى تراها مصادفه؟ ام ان هناك عوامل تؤدى لذلك؟ ‏ معظم هؤلاء الطالبات ‏يغادرن بيوتهن في الصباح الباكر ‏للحاق بمواصله تلو الاخرى ‏لحضور ‏المحاضرات التي تبدأ في الثامنة صباحاً و يبدأن اليوم بدون فطور . ‏وتتوالى المحاضرات ‏حتى الرابعة مساءا فى نفس المدرج سيء التهوية الذى يتكدس بما يزيد عن اربعمئة طالب و طالبة.
قال الشاب: تزوجتها مع بداية العام الدراسي.
هنا فقط أدركت أن الفتاة ذات النظرات الزائغة التى تقف خلفه هي من يقصد. هالني الفرق بين حجميهما ونضارة وجهيهما.
قلت: مبروك، كيف لي أن أساعدك.
قال: زوجتي لم تحضر أي من المحاضرات، أتيت بها لتحضر معك اليوم لكنك يادكتورة تمنعين من يتأخر! و أنا لن أستطيع إحضارها إلا لحضور الإمتحان فأنا أعمل فى وظيفتين وليس لدي أجازات و نحن نعيش على بعد ساعتين!
أسقط فى يدي، يالها من ظروف قهرية... يعيشون على بعد ساعتين فلا يسمح لها بالمجئ لحضور المحاضرات بمفردها!
قلت: وماذا كانت تفعل قبل أن تتزوجا؟
عندها فقط أدركت أننى أفعل نفس مايفعله هو مع الفتاه. أنا أيضاً أتحدث عنها كأنها ليست موجودة على بعد خطوات منى، أتحدث إليه كأنه يملكها... هل عدنا إلى عصر الجواري؟ الجواري الجامعيات! لم تقترب الفتاة ، بقيت خلفه كأنني العدو و هو درعها الواقي ، هي فقط تترقب، تنتظر تحديد المصير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق